بقلم : خالد محمد
شهدت علاقات بوتسوانا بدول مجلس التعاون الخليجي خلال الأعوام الأخيرة زخماً متزايداً، تقوده المصالح المتبادلة في قطاعات المعادن الثمينة والأمن الغذائي والسياحة والخدمات اللوجستية.
ويعزّز هذا الزخم توجّه خليجي أوسع نحو أفريقيا جنوب الصحراء لبناء شراكاتٍ تجارية واستثمارية طويلة الأجل، وهو توجّه وثّقته دراسات ومتابعات مؤسسية خليجية رسمية.
الألماس… جسرٌ تجاري بين غابورون والخليج
تُعد بوتسوانا لاعباً محورياً في سوق الألماس العالمي، ومع تحوّل دبي إلى أحد أكبر مراكز تجارة الألماس الخام والمصقول، تعمّقت الروابط التجارية بين الجانبين.
فقد استضاف «مركز دبي للسلع المتعددة» خلال الأعوام الماضية مزادات وعمليات طرح لأحجار بوتسوانية، ما سهّل على الشركات الخليجية والعالمية الوصول إلى المعروض، ورسّخ مكانة دبي كبوابةٍ لتداول ألماس بوتسوانا.
وفي موازاة ذلك، تواصل شركة «أوكافانغو دايموند» المملوكة للحكومة البوتسوانية إعادة هيكلة قنوات البيع لتعظيم العوائد، مستفيدةً من تنوّع منصّات التسويق الإقليمية والدولية، وهو ما انعكس على نتائجها المالية الأخيرة.
الأمن الغذائي… لحوم بوتسوانا إلى موائد الخليج
تسعى دول الخليج لتعزيز أمنها الغذائي عبر تنويع مصادر الاستيراد، وقد حقّقت بوتسوانا اختراقاً مهماً بحصولها على اعتماد تصدير منتجات اللحوم إلى أسواق خليجية، وفي مقدمتها الإمارات، بعد استكمال متطلبات الصحة والاعتماد البيطري. يفتح ذلك الباب أمام دخول أوسع للحوم البوتسوانية الموثوقة إلى المنطقة، ويخلق فرصاً لوجستية واستثمارية في سلاسل التبريد والنقل والتوزيع.
سياحة الطبيعة والصحارى… منتجٌ قابلٌ للتسويق خليجياً
على صعيد السياحة، تزداد شهية السائح الخليجي لمنتجات «السفاري» والطبيعة البِكر. تمتلك بوتسوانا في دلتا أوكافانغو ومحميات الحياة البرية عروضاً راقية تتكامل مع رحلات الترانزيت عبر مراكز الطيران الخليجية الكبرى، ما يتيح تصميم مسارات سفر مشتركة (خليج–جنوب أفريقيا) تستهدف الشرائح ذات الإنفاق المرتفع. هذا المسار يستند إلى نمو اهتمام خليجي منظم بالأسواق الأفريقية وفق مسارات رسمتها القمم والحوارات المؤسسية الأخيرة.
استثمارات وتمويلات خضراء
تبحث شركات خليجية في الطاقة المتجددة وإدارة المياه عن فرصٍ أفريقية ذات عائد طويل الأجل. تمتلك بوتسوانا احتياطات شمسية كبيرة ومساحاتٍ شاسعة لمشاريع الطاقة الشمسية، ما يجعلها مرشّحاً طبيعياً لشراكاتٍ تقنية وتمويلية مع مطوّرين خليجيين، خاصةً في نماذج المنتجعات السياحية الصديقة للبيئة ومشاريع الهيدروجين الأخضر المصغّرة المرتبطة بالمناجم والمرافئ الجافة.
الكويت وبوتسوانا… أرضية دبلوماسية وفرص قطاعية
على المسار الكويتي تحديداً، يُلاحظ تزايد وتيرة التواصل الدبلوماسي مع غابورون عبر تمثيلٍ غير مقيم وحوارات فتح قنوات للتعاون الاقتصادي، بما في ذلك استكشاف فرص في اللحوم المبرّدة والجلود، والخدمات اللوجستية لسلاسل التبريد، والتعدين منخفض الأثر البيئي، إلى جانب التعليم والصحة والسياحة البيئية.
وقد شهدت الفترة الأخيرة نشاطاً في تقديم أوراق الاعتماد المتبادلة وتوسيع نطاق التواصل الرسمي، وهو ما يوفّر منصّةً عملية لبدء ملفاتٍ استثمارية وتجارية ثنائية أكثر تحديداً.
ما الذي يمكن البناء عليه الآن؟
تجارة الألماس: الاستفادة من منظومة دبي للتجارة والشحن والتأمين لتوسيع عقود التوريد والتسويق المشترك للأحجار البوتسوانية، مع فرصٍ في خدمات الفرز والتصنيف والقَطع المتخصص.
الأمن الغذائي: تطوير عقود طويلة الأجل للحوم الحلال مع مزوّدين بوتسوانيين، وربطها باستثماراتٍ كويتية/خليجية في مسالخ حديثة ومزارع أعلاف ومنشآت تبريد وشهادات تتبّع.
السياحة الراقية: تصميم حِزم «خليج + سفاري بوتسوانا» بالتعاون مع ناقلاتٍ ومشغلين خليجيين، مع تسويقٍ مشترك يستهدف العائلات والرحلات القصيرة الفاخرة.
الطاقة المتجددة والمياه: شراكات لتوطين حلول الطاقة الشمسية ومعالجة المياه لخدمة المناجم والبلدات النامية، بتمويل خليجي وخبرة تشغيلية محلية.
الخلاصة: تتقاطع حاجات التنويع الاقتصادي في الخليج مع مزايا بوتسوانا التنافسية في الألماس واللحوم والسياحة البيئية. ومع تقدم قنوات التواصل الدبلوماسي، تصبح الكويت وبقية دول المجلس أمام نافذةٍ عملية لتحويل هذا التقارب إلى مشاريعٍ ملموسة تُعظّم القيمة المضافة للطرفين وتُرسّخ حضور الخليج في أسواق أفريقيا الصاعدة