Site icon Q8-Press

القانون الدولي الإنساني ومدى تطبيقه على الحرب في فلسطين

بقلم الشيخة سهيلة فهد الصباح

مدير التحرير – جريدة تايمز كويت

القانون الدولي الإنساني (IHL) هو مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لأسباب إنسانية، ويحمي الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال والذين لم يعودوا قادرين على القتال، ويقيّد الوسائل والأساليب المستخدمة في الحرب. وقد صدر القانون الدولي الإنساني بشكل رئيسي من خلال اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977. وتوجد أيضاً مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الأخرى التي تكمّل وتوضح جوانب مختلفة من هذا القانون. ونستعرض فيما يلي بعض البنود المهمة في القانون الدولي الإنساني، وهي:

1. ينص القانون الدولي الإنساني على وجوب حماية المدنيين وعدم استهدافهم خلال النزاعات المسلحة. يُعتبر الهجوم المباشر على المدنيين جريمة حرب.

2. يجب احترام وحماية الجرحى والمرضى من القوات المسلحة وأطراف النزاع الأخرى، وضمان حصولهم على الرعاية الطبية اللازمة.

3. يُضمن لأسرى الحرب معاملة إنسانية تشمل الحماية من العنف والانتقام والمعاملة المهينة أو المهينة.

4. يحظر استخدام الأسلحة والوسائل التي تسبب أضرارًا غير ضرورية أو معاناة لا داعي لها، مثل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

وتلعب المنظمات والهيئات الدولية والمحلية دورًا حيويًا في تعزيز وحماية حقوق الإنسان. من بين أبرز هذه المنظمات ما يلي:

1. مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وتعمل على رصد انتهاكات حقوق الإنسان وتقديم التوصيات للدول الأعضاء.

2.الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وتركز هذه المنظمات على تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للمتضررين من النزاعات المسلحة.

3. منظمة العفو الدولية (Amnesty International)، وتعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والضغط على الحكومات لتحسين سجلات حقوق الإنسان.

وتلعب منظمات حقوق الإنسان في العديد من البلدان دورًا بارزًا في رصد وتوثيق الانتهاكات والدفاع عن حقوق الأفراد والجماعات المهمشة، على سبيل المثال، تعمل هذه المنظمات على تقديم الدعم القانوني للضحايا والضغط على السلطات لاتخاذ إجراءات تصحيحية.

وفي سياق النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، تتدخل منظمات حقوق الإنسان بشكل مكثف لرصد وتوثيق الانتهاكات من كلا الجانبين. على سبيل المثال: أصدرت منظمة العفو الدولية تقارير توثق الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وضغطت على المجتمع الدولي لاتخاذ موقف أكثر صرامة.

كما يعمل الصليب الأحمر على تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للمتضررين من النزاع، بما في ذلك توفير الرعاية للجرحى وضمان وصول الإمدادات الطبية. كما تصدر مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تقارير دورية حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين وتوصي باتخاذ إجراءات لتحسين الوضع.

وتوفر اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية الأساس القانوني لحماية المدنيين وأسرى الحرب. كما تقدم تقارير منظمات حقوق الإنسان توثيقًا مفصلًا للانتهاكات والجهود المبذولة لحماية الحقوق. وتبرز قرارات الأمم المتحدة موقف المجتمع الدولي من النزاعات والأزمات الإنسانية. وتوفير مثل هذه المعلومات يساهم في تشكيل صورة شاملة عن الأطر القانونية والمؤسساتية التي تعمل على حماية حقوق الإنسان خلال النزاعات المسلحة، مثل الحالة في فلسطين.

وتشهد الحرب في فلسطين المحتلة منذ عقود صراعاً دموياً مستمراً، مما يجعل تطبيق القانون الدولي الإنساني أمراً بالغ الأهمية لضمان حقوق المدنيين وحمايتهم في أوقات النزاع، ويشكل القانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد التي تسعى إلى الحد من تأثير الحروب على البشر والممتلكات، ويعتمد بشكل كبير على اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها.

وتعتبر الحرب في فلسطين المحتلة متشابكة بشكل كبير مع القضايا السياسية والعرقية والدينية، مما يزيد من صعوبة تطبيق القانون الدولي الإنساني بفاعلية، وتداخل المصالح الدولية والإقليمية يساهم في تفاقم الأوضاع وعدم التزام الطرف المعتدي بالقوانين الدولية، والالتزامات القانونية الدولية، مما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتشمل هذه الانتهاكات القصف العشوائي للمناطق المدنية، واستخدام القوة المفرطة، وتعذيب الأسرى.

وعلى الرغم من وجود القوانين الدولية، إلا أن تنفيذها يواجه عقبات كبيرة، منها ضعف المؤسسات الدولية والآليات التنفيذية التي تضمن محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

وتتعرض المناطق المدنية في فلسطين للقصف والتدمير بشكل متكرر، مما يتسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة، وهذا الأمر يتعارض مع مبدأ التمييز بين المدنيين والجنود الذي يعتبر جوهرياً في القانون الدولي الإنساني.

وقد فرض الطرف المعتدي حصاراً على مناطق معينة، مما أدي إلى نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والخدمات الأساسية، وهذه الممارسات تُعدّ انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني الذي ينص على ضرورة تسهيل مرور المساعدات الإنسانية.

وقد تم إدانت الطرف المعتدي باستخدام أسلحة محرمة دولياً، مثل القنابل العنقودية والفسفور الأبيض، مما زاد من معاناة المدنيين وأدي إلى تدمير البيئة والممتلكات.

ويتطلب تحسين تطبيق القانون الدولي الإنساني في فلسطين تعزيز الجهود الدولية لضمان الامتثال للقوانين وتقديم المسؤولين عن الانتهاكات إلى العدالة، ويجب على المجتمع الدولي أن يضغط من أجل وقف الأعمال العدائية واحترام حقوق الإنسان.

كما يتعين على المنظمات الإنسانية العمل بجدية لتوفير الدعم والمساعدة للمدنيين المتضررين، وتعزيز الوعي بأهمية احترام القوانين الدولية في أوقات النزاع. ويبقي تطبيق القانون الدولي الإنساني في فلسطين تحدياً كبيراً يتطلب تعاوناً دولياً جاداً وإرادة سياسية قوية لضمان حقوق المدنيين وتحقيق العدالة والسلام في المنطقة.

ومن الأمور الضرورية لتعزيز تطبيق القانون الدولي الإنساني في فلسطين هو تعزيز آليات المساءلة والمراقبة الدولية، حيث يجب على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى تكثيف جهودها في مراقبة الوضع على الأرض وتوثيق الانتهاكات بشكل دقيق وشامل، وإنشاء لجان تحقيق مستقلة ومحايدة للتحقيق في الانتهاكات المزعومة يمكن أن يسهم بشكل كبير في محاسبة المسؤولين عن الجرائم.

كما يمكن للدول الأعضاء في الأمم المتحدة استخدام نفوذها السياسي والدبلوماسي للضغط على للطرف المعتدي للامتثال للقوانين الدولية، ويجب أن يكون هناك تعاون أكبر بين الدول لتعزيز العقوبات على الجهات التي تثبت تورطها في انتهاكات جسيمة، مما يرسل رسالة قوية بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع الجرائم ضد الإنسانية.

وفي هذا السياق، يلعب المجتمع المدني دورًا حيويًا في تعزيز المساءلة، ويمكن للمنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان المحلية والدولية تقديم الأدلة والشهادات التي تسهم في تقديم الجناة إلى العدالة، ودعم هذه المنظمات وتوفير الحماية للعاملين فيها هو خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة والسلام الدائمين في فلسطين.

كما إن تعزيز المساءلة والمراقبة الدولية يمثل ركيزة أساسية نحو تحسين احترام القانون الدولي الإنساني في فلسطين، مما يسهم في تقليل الانتهاكات وحماية حقوق المدنيين.

ولا يمكن تحقيق الامتثال الكامل للقانون الدولي الإنساني دون نشر الوعي والمعرفة بأهمية هذه القوانين وضرورتها، ويُعد التعليم أداة قوية لتعزيز احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بين الأجيال الشابة، وإدراج مبادئ القانون الدولي الإنساني في المناهج الدراسية والبرامج التعليمية، ويمكن أن يسهم في بناء وعي جماعي حول ضرورة احترام حقوق الإنسان حتى في أوقات النزاع.

كما يجب تنظيم حملات توعية تستهدف المجتمعات المحلية والمقاتلين على حد سواء. يمكن للمنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام لعب دور رئيسي في نشر هذه المعرفة من خلال ورش العمل والندوات والبرامج التثقيفية، كما أن التوعية المستمرة بأهمية حماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني يمكن أن يساهم في تغيير السلوكيات والحد من الانتهاكات.

وتعد هذه الجهود التوعوية ضرورية ليس فقط في وقت النزاع ولكن أيضًا في فترات السلم، لتعزيز ثقافة احترام القانون والإنسانية، ومن خلال تعزيز الوعي والتعليم، يمكن بناء جيل جديد من القادة والمواطنين الذين يدركون أهمية القانون الدولي الإنساني ويعملون على احترامه وتطبيقه في المستقبل.

Exit mobile version